الفريسي والعشار
دخلنا مع هذا اليوم زمن التريودي أي الزمن الذي سنسمع فيه هذه الأناشيد الثلاث حتى نهاية الصوم.
المجد للآب والابن والروح القدس.
افتح لي باب التوبة يا واهب الحياة لأن روحي تبتكرُ إلى هيكل قدسكَ آتياً بهيكل جسدي مُدنّساً بجملته ، لكن بما أنّك مُتعطّفٌ ، نقّني بتحنّن مراحمك.
الآن وكل اوان والى دهر الداهرين. آمين.
سهّلي لي مناهج الخلاص يا والدة الإله لأني قد دنّست نفسي بخطايا سمجة، وأفنيت عمري كلّه بالتواني، لكن بشفاعتكِ نقّني من كلّ نجاسة.
يا رحيم ارحمني يا الله بعظيم رحمتك وبحسب كثرة رأفتك امحُ مآثمي.
إذا تصوّرت كثرة أفعالي الرديَّة أنا الشقي فإني أرتعدُ من يوم الدينونة الرهيب ، لكنني إذ أنا واثقٌ بتحنّن اشفاقك أهتف إليكَ مثل داوود : ارحمني يا الله كعظيم رحمتك.
للتريودي ثلاثة اقسام،
- القسم الأول الذي بدأ اليوم يتكون من اربعة آحاد:
- أحد الفريسي والعشار: نتأمل بالتوبة وبمستلزماتها
- احد الإبن الشاطر: نتأمل بالخروج من الفردوس وبالعودة الى الأحضان الأبوية
- احد مرفع اللحم: نتأمل بيوم الدينونة العامة وفي السبت الذي يسبقه نستذكر الاموات
- احد مرفع الجبن: احد المسامحة قبل بدء الصوم في صباح الغد
- القسم الثاني ويبدأ من صباح الإثنين بعد احد مرفع الجبن ويستمر حتى احد الشعانين
- القسم الثالث من مساء احد الشعانين حتى قداس سبت النور
لماذا بدأنا بمثل الفريسي والعشار؟ وما العبرة من ذلك المثل؟ وما هو تعليم الكنيسة الروحي للتحضير لزمن الصوم باختصار؟
يجسد الفريسي الافتخار بالذات وبالأعمال الحسنة كحفظ الوصايا والمثابرة على الصوم والصلاة وتأدية العشور. ويجسد ايضا من يقارن نفسه بالآخرين الذين هم خارج دائرة البر بنظره وربما بحسب الشريعة ايضا، فيصفهم ربما عن حق انهم زناة وفاسقون وسارقون.
وبالتالي يأتي الى بيت الله طالبا الإطراء من الذات ومن الآخرين و من الله وكأنه يقول لله “نيالك فيي” انا اشكرك ولكنني اذكرك انك انت من يجب عليه ان يشكرني لاني لست مثل فلان الواقف على اليمين ولا مثل فلانه الواقفة هناك على اليسار ولا مثل فلان الجالس في الخلف… فهذا كذا وتلك كذا وذلك كذا وكذا…
اذا الهدف من صلاته هو لفت النظر الى بره الذاتي، ويستعمل ادانة الآخرين والتشهير بهم للوصول الى مبتغاه.
وهذا رأس الكبرياء.
اما العشار فهو داخل الى بيت الله ونظره الى الارض لا يجرؤ ان يرفع عينيه الى فوق لأنه يعلم ان الله يراه الآن وانه قد رآه في كل عمل سيء كان قد عمله من قبل. وهو يقرع صدره غير آبه بأحد ولا بماذا سيظن فيه الناس، لأنه لا يرى في بيت الله سوى الله وحده. وكان يقول غير معط اية اهميه للسامعين: يا الله ارحمني انا الخاطئ.
وهذا عمق التواضع.
ويقول الرب عنهما: “اقول لكم ان هذا نزل الى بيته مبررا دون ذاك. لان كل من يرفع نفسه يتضع ومن يضع نفسه يرتفع.”
في نفس السياق نقرأ في ايوب (40 : 11-13) ” فَرِّقْ فَيْضَ غَضَبِكَ وَانْظُرْ كُلَّ مُتَعَظِّمٍ وَاخْفِضْهُ. اُنْظُرْ إِلَى كُلِّ مُتَعَظِّمٍ وَذَلِّلْهُ وَدُسِ الأَشْرَارَ فِي مَكَانِهِمِ. اُطْمُرْهُمْ فِي التُّرَابِ مَعاً وَاحْبِسْ وُجُوهَهُمْ فِي الظَّلاَمِ.”
ونقرأ ايضا في لوقا (1: 52-53) صَنَعَ قُوَّةً بِذِرَاعِهِ. شَتَّتَ الْمُسْتَكْبِرِينَ بِفِكْرِ قُلُوبِهِمْ. أَنْزَلَ الأَعِزَّاءَ عَنِ الْكَرَاسِيِّ وَرَفَعَ الْمُتَّضِعِينَ. أَشْبَعَ الْجِيَاعَ خَيْرَاتٍ وَصَرَفَ الأَغْنِيَاءَ فَارِغِينَ.
العبرة الاولى: عندما ندخل الى الكنيسة في هذا الموسم لا ننظر حولنا كيلا نقع في فخ ادانة الآخرين. بل نقف وكأننا مع الله وحدنا نتحدث اليه طالبين رحمته وغير ذاكرين امامه سوى خطايانا وغير قاصدين سوى التوبة عنها.
وهنا يأتي السؤال الكبير ما هي التوبة؟ هل التوبة هي الندم؟ طبعا لا لأني اقول لكم أن جهنم ستكون ملآنة بالنادمين كما بذوي بالنيات الحسنة. فالموضوع ليس ندما ولا خطايا تبرر بالنوايا الحسنة.
يهوذا الأسخريوطي ندم : (مت 27:3 ) حينئذ لما رأى يهوذا الذي اسلمه انه قد دين ندم وردّ الثلاثين من الفضة الى رؤساء الكهنة والشيوخ. الشياطين جميعها ربما نادمة على ما فقدته ولكنها لن تخلص بندمها لأن كبرياؤها لا يسمح لها لا بالاعتراف بخطيئة تمردها و لا بطلب المغفرة، وهنا بداية التوبة. فالتوبة هي في عملية تغيير المسار وليس في التوقف والندم وجلد الذات والبكاء على الإخطاء وبالحزن على الخطيئة والحزن على الذات بسبب ما اقترفنا من خطايا. فالمتكبر يحزن اكثر من غيره لأنه اخطأ ولكنه يعمل المستحيل ليخفي خطأه وليبرر اعماله الخاطئة وليفتش عن اسباب ومبررات عند غيره، لكي يكون غيره السبب لما اقترفه من أخطاء. فعار عليه ان يعترف بخطائه امام الناس. ولذلك لا يستطيع ان يغير مساره لكي يصلح ما عمله من إساءات. وهنا لب التوبة وجوهرها.
العبرة الثانية: التوبة يلزمها انكسار وتواضع وتخل عن كل روح كبرياء لأن الشيطان هو رب المتكبرين وسيدهم. فالكبرياء لا يمكن ان يتواجد مع التوبة مع ان رفيقه الحميم هو الندم الذي لا ينفع.
+الأب منصور عازار