ملعون كل من علق على خشبه

ملعون كل من علق على خشبه

أراد يوحنا الإنجيلى أن يشير إلى أمور خفية عن سبب قتل اليهود للمسيح مصلوبا على خشبه، فكتب الآتي:
“فخرج بيلاطس إليهم وقال أية شكاية تقدمون على هذا الإنسان. أجابوا وقالوا له لو لم يكن فاعل شر لما كنا قد سلمناه إليك. فقال لهم بيلاطس خذوه انتم واحكموا عليه حسب ناموسكم. فقال له اليهود لا يجوز لنا أن نقتل أحدا. ليتمّ قول يسوع الذي قاله مشيرا إلى أية ميتة كان مزمعا أن يموت”.(يو:18: 29-32)
ففي هذه السطور خفايا كذب ومخالفة للشريعة: اشتكى اليهود على يسوع انه فاعل شر ولم يستطيعوا أن يثبتوا ذلك لبيلاطس. فغسل بيلاطس يده من دم يسوع لعلمه انه بريء. ودخل بذلك في لعبة سياسية مع رؤساء كهنة اليهود.

حسب الشريعة فاعل الشر والنبي الكاذب والداعي إلى اله آخر يرجم من قبل كل الجماعة حتى الموت وذلك “لكي ينزع الشر من بين إسرائيل”. ويقتل في مكان سكن الجماعة وبأيدى الجماعة (تثنية: 13: 1-10). أما القتل خارج المدينة وعلى أيدى الأمم الغرباء مخالف للشريعة .
بيلاطس كان يعلم أن اليهود لن يتمكنوا من جمع المدينة ليرجموا يسوع لأنهم كانوا “يخشون الجموع” (مرقس 12:12) التي آمنت به لذلك قال لهم “احكموا عليه بحسب ناموسكم”. وجوابهم “لا يجوز لنا أن نقتل أحدا” هو جواب كاذب أيضا إذ كان يحق لهم أن ينفذوا أحكام الشريعة بالرجم. والدليل على ذلك أن يسوع أنقذ من أيدى اليهود الزانية بطلبه من الجموع أن يرمي أول حجر من كان بدون خطيئة فانسحب الجميع (يو 8: 7). وقد رجم اليهود أول الشهداء استفانوس حتى الموت. (أعمال 7: 59)

أدرك بيلاطس أيضا أن رؤساء الكهنة كانوا قد أسلموه حسدا (مرقس 15: 10) وعلم أن اللعبة لم تكن سوى لعبة سياسية داخل بيت اليهود أنفسهم، وكان متيقنا أن يسوع لم يكن يهدد قيصر روما بقدر ما كان يهدد الكهنة والفريسيين قادة الشعب. و بالفعل كان يسوع يهدد مصالحهم الشخصية فهو تحداهم وشكل خطرا على مواقعهم وعلى مكتسباتهم السياسية (يوحنا 12: 19) فالمصالح الشخصية ولعبة الكراسي لا ترحم أحدا لذلك قرروا أن يقتلوه دون أن يجعلوا منه شهيدا. لذلك أرادوا أن يستغلوا نظام الإعدام الروماني بالصلب ليسقطوا على يسوع حكم الشريعة التي تنص انه ملعون كل من علق على خشبه (تثنية 21:22-23) بحيث يصبح يسوع، بحسب ما هو مكتوب في الشريعة، ملعون من الله لا يجوز أن يبقى له ذكر بين الشعب ولا وريث ليحمل اسمه. انهم أرادوا أن يمحوا ذكراه إلى الأبد ! وحرصوا ألا يجعلوا منه شهيدا بحيث تكون مساوئ الضلالة الثانية اشر من الأولى. (متى 27: 64)

ولذلك سعوا أولا أن يوقعوا ما بين يسوع الملك الإلهى وما بين القيصر الملك الأرضى عندما سألوه إن كان يجوز دفع الجزية لقيصر لان الصلب هو عقاب مقاومة القيصر. وما أن أعلنه الشعب ملكا في أحد الشعانين حتى استغلوا ذلك ليضغطوا على بيلاطس لكي يصلبه بحجة انه ليس لرؤساء كهنة اليهود ملك غير قيصر. (يوحنا 19: 15)
والعارف ما في القلوب شبههم في مثل الكرم بالعملة القتلة (متى21: 33) الذين قتلوا عمدا الابن الوريث لكي يحتفظوا بمواقعهم وبمكتسباتهم من الكرم “ولكنكم الآن تطلبون أن تقتلوني”. (يوحنا 8: 40) وهذا يدل على انهم آمنوا به ولكن إيمانهم كان كإيمان أبيهم إبليس (يوحنا 8 : 44) حسب وصف يسوع لهم بفمه. فالشياطين تؤمن وتقشعر أيضا (يعقوب 2: 19). العملة القتلة قتلوا الوريث خارج الكرم لكي يزيلوا عنهم الشبهات واستخدام أيد غريبة غير مستبعد أيضا. وكذلك فعل اليهود بقتل يسوع خارج أسوار أورشليم وعلى أيدى الأمم الغرباء وبأسلوب مخالف للشريعة. (ورد في 1 كور 2: 8 “لان لو عرفوا لما صلبوا رب المجد.” وسمعت احداً يعلم ان بولس يقصد بذلك أن اليهود لم بعرفوا رب المجد. برأيي هذا كلام غير دقيق لأن بولس يتكلم عن حكمة الله التي لم ولن يدركها عظماء هذا الدهر- اي المتكبرون-، وليس في هذه الجملة تبرئة لليهود من معرفتهم رب المجد حيث انهم ذهبوا بعد ذلك الى رشوة الحراس كي يخفوا قيامته ايضا بسابق اصرار وتصميم.)


لقد رتبوا إذا و دبروا قتل يسوع مصلوبا لمصالح شخصية وسياسية لها أبعادها المستقبلية المدروسة حسب الناموس. فقد وظفوا شريعة موسى ونظام الإعدام الروماني لخدمة مصالحهم الخاصة. أما يسوع فقد غفر، وهو على الصليب، للذين لا يعلمون ما يفعلون. فبعدما هتفوا “دمه علينا وعلى أولادنا” يا ليتهم تابوا كتوبة بطرس أو كتوبة قائد المائة الذي اعترف أن يسوع كان فعلا ابن الله و يا ليتهم ندموا وشنقوا أنفسهم كما فعل يهوذا إلا انهم استمروا بمقاومتهم لله إذ رشوا الحراس لكي يضللوا اليهود بالادعاء “أن تلاميذه جاءوا ليلا وسرقوه” بينما كانوا نياما. (متى 28: 13)

أليس في هذا تجديف على الروح القدس؟ لست ادري؟ الله اعلم وهو الديان الأوحد. ولكننا نعلم أن خطيئة التجديف على الروح القدس لا تغتفر لا في هذه الحياة ولا في الدهر الآتي. وهنا يطرح سؤال نفسه : هل يحق للكنيسة أن تبرئ اليهود من دم المسيح كما فعل بعضهم؟
ففي ظرف مشابه جدا قال يسوع للفريسيين: “وتقولون لو كنا في أيام آبائنا لما شاركناهم في دم الأنبياء. فانتم تشهدون على أنفسكم أنكم أبناء قتلة الأنبياء. فاملأوا انتم مكيال آبائكم.” (متى 23: 30-32)

فهل بعض المسيحيين ارحم من الله وارحم من مسيحه نفسه على من ينتسبون إلى قتلة الأنبياء ويقولون عن أنفسهم انه لا ذنب لهم ولو كانوا في زمان آبائهم لما كانوا شاركوهم في عملية القتل التي مارسها آباؤهم. ألا يعترف هؤلاء انهم أبناء وخلفاء أولئك؟ أنا لا ادعوا إلى إدانة يهود اليوم ولكنني أدعو إلى إبقاء الأمر لعدالة الله وحده!

(فان برئ اليهود من دم المسيح لأسباب سياسية فمن يستطيع أن يبرئ دولة إسرائيل في أيامنا هذه من دماء الأطفال والأبرياء؟) ولكن إطاحة اليهود بيسوع أطاحت بهم من حيث لا يعلمون! ففي الرسالة التي تتلى علينا في جناز المسيح يقول بولس الرسول: ” المسيح افتدانا من لعنة الناموس إذ صار لعنة لأجلنا لأنه مكتوب ملعون كل من علّق على خشبه. لتصير بركة إبراهيم للأمم في المسيح يسوع لننال بالإيمان موعد الروح.”

فما معنى هذا الكلام؟ و ما هي بركة إبراهيم، وما علاقتها بالموضوع؟
لقد وعد الله إبراهيم أن تتبارك جميع قبائل الأرض بنسله (بالمفرد) فنسل إبراهيم هو يسوع ويسوع هو الوعد وهو أيضا سبب وواسطة انسكاب الروح القدس الذي يقدس ويهب نعمة التبني. فبرفض اليهود للمسيح كونه ملعونا بحسب ناموسهم من حيث انه علق على خشبه أقصوا أنفسهم بعمل أيديهم عن قبول بركة إبراهيم فأصبحت البركة لمن هم براء من ناموس اليهود. واصبح يسوع المصلوب الذي نكرز به عثرة دائمة لليهود (ا كور 1: 23) بسبب الناموس. فأوقع اليهود أنفسهم بفخ الصليب الذي نصبوه ليسوع و كانت وقعتهم عظيمة وليس لهم قيام منها الا بالتوبة التي يرفضون. فخلط السياسة ومصالح الكراسي بالدين كان وما يزال مهلكا ومدمرا إلى اليوم.

+الأب منصور عازار

نشر في مجلة “صوت الكنيسة” – مطرانية الروم الأرثوذكس في عمان – الأردن – العدد الاول 2002
تحت عنوان: “هل يحق للكنيسة إبراء اليهود من دم المسيح”

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

On Key

Related Posts

Eternal Life

Eternal Life for Orthodox Christians By Metropolitan Hierotheos of Nafpaktos and Agiou Vlasiou “Come, ye blessed of My Father, inherit the kingdom prepared for you…”

لماذا صلاة منسّى؟

لماذا صلاة منسّى؟ “صلاة منسّى” سِفرٌ من الكتاب المقدّس في نسخته السبعينيّة، تقرأها الكنيسة في ليتورجيّتها في عشيَات الصوم الأربعيني المقدّس ضمن صلاة النوم الكبرى.