لماذا نؤمن بتجسُّد الكلمة؟: عشرة أسباب تدعونا للإيمان بتجسُّد الكلمة
السبب الأول:
عيد الميلاد ليس عيداً نحتفل فيه بميلاد طفل كما هو شائعٌ عندنا، بل – حسب تعليم الكتاب المقدس – هو عيد ميلاد عمانوئيل، أو بالحري تجسُّد ذاك الذي قالت عنه النبوة: “لأنه يولد لنا ولد ونعطى ابناً وتكون الرئاسةُ على كتفه ويكون اسمه مشيراً عجيباً أباً أبدياً رئيس السلام” (أش 9: 6).
لقد وُلِد الملك في مدينة داود الملك (مت 2: 1). لقد وُلِد ابن الله “المسيح الرب” (لو 2: 7). هذا هو اليوم الذي تم فيه “ملء الزمان وأرسل الله ابنه مولودٌ من امرأة مولوداً تحت الناموس” (غلا 4: 4). إنه عيد تنازُل الله المطلق، والذي لا مثيل له في التاريخ، فقد “أخلى ذاته وأخذ صورة عبدٍ وصار في شبه الناس” (فيلبي 2: 7).
السبب الثاني:
هو عيد تحول الإنسانية من الميلاد البيولوجي الزماني الأرضي إلى ميلاد من فوق، من الماء والروح القدس؛ لأن الإنسان الأول ترابي من الأرض، أمَّا الإنسان الجديد، آدم الثاني أو آدم الأخير الذي تشرق بميلاده الإنسانية الجديدة فهو الرب من السماء (1كور 15: 43 – 47).
يقول القديس أثناسيوس الرسولي إن الكلمة تجسَّد ووُلِد من امرأة لكي يحول بداية الحياة الإنسانية الجديدة إلى كيانه الإلهي الذي تجسَّد لكي يحول الإنسانية إلى حياة سمائية (راجع الرسالة إلى أدلفوس فقرة 4).
نحن نولد من لحم ودم وبإرادة الرجل والمرأة في الزواج، لكن الآن في المسيح، وبسبب ميلاده من الروح القدس، نولد من فوق، من الله نفسه، ليس من دم ولحم ولا بقوة التناسل الطبيعي البيولوجي، بل من الله (يو 1: 13).
السبب الثالث:
نحن نحتفل بشركتنا في مجد الله الخالق. مجد شركتنا في مجد الله ذاته. لقد جاء هذا المجد مع الذي له ذات مجد الآب وفيه مجد البنوة، ولذلك هو عيد تحوُّل الإنسانية من شقاء الحياة الترابية إلى مجد يسوع المسيح؛ لأن “الذين سبق فعرفهم … هؤلاء دعاهم … هؤلاء مجَّدهم ليكونوا مشابهين صورة ابنه ليكون هو البكر بين أخوة كثيرين” (رو 8: 29).
السبب الرابع:
هو عيد إشراق المحبة الإلهية، ليس بالكلام، ولكن بحدثٍ عظيم، فقد ظهرت محبة الله ليس في تعليم نبوي كما كان يحدث قديماً، بل في تجسُّد ابن الله (يو 3: 16).
السبب الخامس:
أعاد التجسُّد مساواة الرجل والمرأة. فقد وُلِدَ المسيح رجلاً، ولكن من امرأة، وبذلك مجَّد جنس الرجال باتحاده بالإنسانية، وجنس النساء بميلاده من امرأة. ولذلك يقول الرسول بولس: “في المسيح يسوع ليس ذكراً ولا أنثى” (غلا 3: 28).
السبب السادس:
تجسَّد الابن له المجد ولم يعُد الحق فكرةً نقرأ عنها في كتاب، بل صار الحق شخصاً هو شخص الإله المتجسِّد. وعن ذلك يقول المزمور: “الحق من الأرض أشرق” (مز 85: 11).
وعندما يقول الرب يسوع “أنا هو الطريق والحق والحياة” (يو 14: 6)، فهو لا يدعونا إلى اعتناق فكرة، بل يدعونا إلى شركة في الحق نفسه. وهو حق المحبة وليس مجرد حق على شفاة البشر. حقٌ أشرق في اللحم والدم.
السبب السابع:
صار السلام شخصاً، ولم يعد علاقات تولد من نظام ما. لقد جاء المسيح ليصبح الشخص هو مصدر السلام، السلام النابع من شخص الإله المتجسِّد، والذي عندما نؤمن به ونشترك في حياته يصبح السلام نابعاً منَّا نحن، من البشر الذين صاروا أولاد الله، وليس من نظام قابل للفساد مفتوح على نافذة أهواء البشر.
السبب الثامن:
لقد جاء التجسُّد باتحاد أبدي بين الإنسانية والله. اتحاد في يسوع المسيح الذي هو “أمس واليوم وإلى الأبد” (عب 13: 8). لقد صار الله فعلاً معنا؛ لأن الكلمة تجسَّد وسكن فينا (يو 1: 13 – 14). وهو اتحاد أبدي لا يقبل الانفصال؛ لأنه لا يعتمد على قوة بشرية، بل على اتحاد اللاهوت بالناسوت، فقد حلَّ ملء اللاهوت في الناسوت لكي نمتلئ نحن فيه وبه.
السبب التاسع:
جاء التجسُّد كدعامة أبدية في شركتنا مع الله، وفي حياة الله نفسه. فقد اتَّحد اللاهوت بالناسوت ليس حسب طقس ولا بقوة الشريعة، ولا حسب رغبة الإنسان، بل حسب مسرة الله، فقد سُر الله بنا حسب صلاحه. وجاء التجسُّد ليضع الأساس لعلاقة أبدية لا تموت؛ لأن المتجسِّد قام وغلب الموت. علاقة أبدية لا ترتبط بالأرض وبكل ما فيها، بل بالسماء؛ لأن المتجسِّد صَعِد إلى السماء.
السبب العاشر:
بتجسُّد الكلمة لم يعُد الإنجيل عبارات تقال وتُكتب، بل صار الإنجيل بشارة حياة، وصار تجسُّد ابن الله هو الإنجيل الحي الذي كُتِبَ في اللحم والدم، في تحول الترابي إلى جسد مجده. وفي بشارة ليست هي نهاية الحياة بالموت، بل بداية الحياة في الشركة في طبيعة الله (2 بط 1: 3).
لقد جاء التجسُّد بأكبر تحول في الحضارة الإنسانية. فقد صار للإنسان قيمة عظمى هي عطية التبني (غلا 4: 4). وصار الإنسان أعظم من النظام، وصار الامتحان الحقيقي للمحبة هو في أن نضع أنفسنا في مكان الآخر. فقد جاء الذي ليس هو بإنسان لكي يكون إنساناً “أخذ الذي لنا”. لقد صار مثلنا، فنقل الإنسانية من كلام إلى عمل لا لكي نتكلم ونكتب عن البذل، بل لكي نحيا البذل.
وحقاً قال شيخ المؤرخين في هذا العصر أرنولد توينبي: “بالتجسُّد أكمل المسيحُ التاريخ، فقد فتح التاريخ على ما هو أبدي، ونقل مصير الإنسان إلى ما هو إلهي، وأكمل الحضارة عندما صار للإنسان قيمة أعظم من كل النظم وجعل الإيمان ممارسة المحبة”.