حول لاهوت الظهور الإلهي وتاريخ العيد

حول لاهوت الظهور الإلهي وتاريخ العيد

لم يعرف المسيحيون الأولون من الأعياد السيدية سوى عيد الفصح وكانوا يحتفلون به كل احد بالإضافة إلى الزمن الفصحي.
ذكرى المولد هي من العادات الوثنية. ويذكر الكتاب المقدس عيد مولد الفرعون وعيد مولد هيرودس. الأول وثني والثاني كافر وقاتل ليوحنا المعمدان.  ولذلك لا تكرم الكنيسة الشهداء والقديسين إلا في ذكرى استشهادهم أو رقادهم بالرب.

تطور الفكر المسيحي وميز اعياد المسيح عن اعياد الرسل والشهداء بكونه الرب السيد المخلص والفادي، فكل حدث تاريخي في حياته رأوا فيه قيمة خلاصية وأضواء من الفصح والقيامة.

أول من احتفل بظهور إبن الله على الأرض كان الغنوصيون في الإسكندرية وكانوا يحتفلون بذكرى عماد السيد في الأردن في 6 كانون الثاني لأنه كان عيد ميلاد “أيون” إله مدينتهم الذي فيه تنال مياه النيل قوة عجائبية خاصة، وكان ذلك اليوم أيضا يوم الانقلاب الشتوي حسب التقويم الفرعوني.

إلا أن الغنوصيون كانوا يرون فيه الظهور الأول للمسيح، لان يسوع في معتقدهم رجل عادي مثل باقي البشر، أصبح ابن الله لحظة عماده وتبنيه من قبل ألآب وحلول الروح القدس عليه في الأردن. أدانت الكنيسة هذا الاعتقاد وأطلقت لفظة الظهور επιφανεια على ميلاد المسيح في الجسد لتؤكد أن ظهور الإله على الأرض حدث في الميلاد وقبل إعلانه في المعمودية. وكانت الكنيسة الأولى تقيم عيد الميلاد في 5 كانون الثاني مساء والعماد في صباح 6 كانون الثاني لتقول ان الظهور الإلهي هو نفسه في الجوهر للمولود كما للمعمود  وأن العماد ونزول الروح القدس على يسوع لم يضف شيئا على طبيعته الإلهية او على طبيعته الإنسانية. ولا يزال الارمن على هذا التقليد.

انتقال عيد الميلاد إلى 25 ك1

بعد المجمع النيقاوي الأول 325 حيث شجبت الكنيسة نهائيا الاعتقاد الغنوصي/الآريوسي أن الله تبنى يسوع المسيح لحظة عماده، وكان لا بد من إبراز ألوهيته منذ لحظة ولادته من العذراء.

وكان الرومان قد عدلوا التقويم المصري بحيث أصبح الانقلاب الشتوي في 25 كانون الأول بدل من 6 كانون الثاني، حيث تعود الشمس إلى الارتفاع ويطول النهار واتخذوا ذلك اليوم عيدا عظيما للشمس وكانوا يقيمون الألعاب النارية (كما تقام اليوم في رأس السنة) ويسجدون للشمس المنتصرة على الظلام. فاستهوى المسيحيون الرومان ذلك اليوم وقرروا فصل عيد الميلاد عن الغطاس ونقله إلى 25كانون الأول وحدث ذلك بين 336 و 352.  وتبنت القسطنطينية الفكرة في سنة 379 وتبنت إنطاكية الفكرة سنة 386 لما كان بعد القديس يوحنا الذهبي كاهنا في انطاكية وهو كان اول من دعا الى ذلك في عظة له في ذلك العام، وقبلت الإسكندرية الفكرة في سنة  431 وغير معروف متى قبلت كنيسة أورشليم الفكرة إلا أنها عادت وانفردت عن باقي الكنائس في منطقتنا في عدم اعتمادها التقويم الجولياني الحديث فاصبح عيد الميلاد في 7ك2 والغطاس في 19ك2.

وهكذا وجد في العالم المسيحي ثلاثة اعياد ميلاد وعيدين للغطاس:
1 الذين لم يفصلوا العيدين فيعيدون االميلاد في 5(يناير) والغطاس في 6 (يناير). _الأرمن_
2 الذين فصلوهما يعيد بعضهم على التقويم الجديد في 25 (ديسمبر) للميلاد وفي 6 (يناير) للغطاس. _كنيسة روما وكنائس الروم الارثوذكس_
3 والذين يتبعون التقويم القديم (الجولياني) فيعيدون الميلاد في 7 (يناير) والغطاس في 19 (يناير). _كنائس الروم الارثوذكس ذات التقويم القديم والاقباط_

صوم الميلاد الأربعيني

الصوم الأربعيني مرتبط مباشرة بالاستعداد لسر المعمودية الذي كان يحدث للمعمدين في سبت النور، وعندما ازداد عدد طالبي العماد، صارت الكنيسة تعمد ايضا يوم الغطاس وهكذا انتقل ايضا الصوم وانتقلت نسخاً معه ايضا ترتيلة استقبال المعمدين الجدد في القداس الإلهي “انتم الذين بالمسيح اعتمدتم المسيح قد لبستم هللوييا” انتقلت الى عيدي الميلاد والغطاس اللذين كانا غير منفصلين بعد. وبعد فصل العيدين عن بعضهما انتقلت نسخاً ترتيلة “انتم الذين في المسيح اعتمدتم…” الى الميلاد وانتقل الصوم الأربعيني بالكامل الى الميلاد. وبقي صوم ليوم واحد في برامون (اليوم الذي قبل) الغطاس.

فالصوم الأربعيني كان اذا يخص المستعدين للاستنارة. تربويا ورعائيا قررت الكنيسة ان يكون موسم المعمودية موسم تجديد لنذورالمعمودية  لكل المؤمنين فصرنا جميعنا نصوم لنجدد معموديتنا في الموسمين.

لاهوت عيد الغطاس

اما لاهوت عيد الغطاس او عيد الظهور الإلهي في الغطاس فهو اكثر من اظهار اتضاع يسوع واكثر من كشف هوية يسوع ليوحنا المعمدان واكثر من شهادة المعمدان ليسوع واكثر من شهادة الآب ليسوع واكثر من اعتلان واضح للثالوث واكثر من بداية حياة يسوع البشارية واكثر من تقديس المياه الخ… كل ما ذكر صحيح وهام جدا ولكن يوجد ما هو بنظري اكثر ملائمة للحدث واعمق.

ففي الغطاس تمت عملية خلق جديدة على شاكلة عملية الخلق الأولى:

فهناك “كانت الارض خربة وخالية وعلى وجه الغمر ظلمة وروح الله يرف على وجه المياه.
وقال الله ليكن نور فكان نور…” نجد غمرا وروح الله يرف والله الضابط الكل وكلمته الخالقة.

اما هنا فالأرض الملعونة بسبب المعصية  والمياه التي تشير الى ظلمة الموت بالطوفان (1يو 5 :19  العالم كله قد وضع في الشرير) وروح الله يرف فوق الغمر بشكل حمامة والأبن متجسدا في الماه والآب بالصوت.

نفس المشهد وخلق جديد والمخلوق الجديد هو رحم الولادة الجديدة من المياه المباركة الذي يلبس من يقبلونها الخليقة الجديدة التي هي يسوع نفسه، آدم الجديد، ولذلك نرتل “انتم الذين بالمسيح اعتمدتم المسيح قد لبستم”. لاننا نعلم انه  “اذا ان كان احد في المسيح فهو خليقة جديدة. الاشياء العتيقة قد مضت. هوذا الكل قد صار جديدا.” (2كو 5 :17 ) والرحم الجديد هو جرن ماء المعمودية الذي تم زرعه في المياه المباركة في يوم الغطاس. ولذلك اول كلمة قالها يسوع قبل بدء عمله البشاري كانت “هكذا يليق بنا* ان نكمل كل بر” (متى 3: 15) فإكمال البر هو خلق رحم البر الجديد**، الذي دشنه بنفسه بموته وبقيامته وآخر كلمة له كانت ” فاذهبوا وتلمذوا جميع الامم وعمدوهم (والأصح غطسوهم لأن التغطيس يرمز الى الموت والقيامة ) باسم الآب والابن والروح القدس” (متى 29: 18)

دعوة الكنيسة اليوم لنا أن تنطبق على كل واحد منا ترتيلة العيد “انتم الذين بالمسيح اعتمدتم المسيح قد لبستم” فليكن هذا العيد عيد تجديد لنذور معموديتنا بموافقتنا المسيح والمسيح وحده آمين. هللوييا

           +الأب منصور عازار

 * صيغة الجمع تشير الى عمل الثالوث الأقدس تماما كما ورد في سفر التكوين 1: 26 “وقال الله نعمل الانسان على صورتنا كشبهنا”

** لذلك نقول في خدمة المعمودية للمعمد “لقد تبررت…” فالتبرير في عقيدتنا يأتينا من المعمودية