من وحي الميلاد والتجسد الإلهي
1 يوحنا 3: 1 أُنْظُرُوا أَيَّةَ مَحَبَّةٍ أَعْطَانَا الآبُ حَتَّى نُدْعَى أَوْلاَدَ اللهِ! مِنْ أَجْلِ هَذَا لاَ يَعْرِفُنَا الْعَالَمُ، لأَنَّهُ لاَ يَعْرِفُهُ.
محبة المسيح للبشر هي خاصة وفريدة من نوعها: إلهية في كلّ ما لها، كاملة، ولكن متجسدة، حقيقية مرئية للعين:”انظروا”. يقدر الإنسان على أن يرى هذه المحبّة ويعاينها، ويسمعها ويلمسها.
طبيعتها تكمن في هذا: الله الآب أعطانا بواسطة الابن إمكانية أن نصير أولادا لله، نحن الذين بالخطايا صرنا وقتاً ما أبناء إبليس عاملين “أعمال أبينا” (يو 8: 41).
بكلام آخر، أعطانا التبنّي من الله. تبنّينا هذا من الله يصير بابن الله، مع الربّ يسوع المسيح. هذا الذي هو ابن الله بالطبيعة صار ابن الإنسان لكي يجعلنا أبناء الله بالنعمة. القوّة التي بواسطتها يحقّق هذا هي المحبة الإلهيّة، المحبة المقدَّسة، المحبة المواهبيَّة. هذه المحبّة تعيد ولادة الكيان الإنسانيّ بجملته وتلده من الله.
إذا كانت الإشكالية فكرية، المحبّة تلدها من جديد وتولد من الله كفكر إلهيّ؛ وإذا كانت إراديّة، المحبة تلدها من جديد وتولد من الله كإرادة إلهية، عندها دائمًا يريد الإنسان ما يريده الله. بالطريقة ذاتها تصير إعادة الولادة إذا كانت الإشكاليّة متعلقة بالحواسّ، بالنفس، بالذهن.
هذه المحبّة خلاّقة، قوّة مؤلـِّهة: إنها تحقيق “الوصية الأولى والعُظمى” من كلّ القلب، ومن كلّ النفس، ومن كلّ النيّة، وبكلّ قدرة الإنسان. عليه، يكمل في الله كلّ القلب، وكلّ الذهن، وكلّ القدرة، والله عندها يصلحها وينقّيها ويحوّلها ويلدها من جديد “وتتجدّدوا بروح ذهنكم، وتلبسوا الإنسان الجديد المخلوق بحسب الله في البرّ وقداسة الحقّ”(افسس 4: 23-24)، هكذا، عندها يصير الإنسان ابن الله.
بكلمة واحدة: الله يؤلـِّه الإنسان بالقوّة المؤلـِّهة التي لمحبّته. الإنسان يَعْبُر بكلّ كيانه كلّ مشروع كلّ مشروع الخلاص مِن نكران الذات الى التألـّه، من الولادة بالله الى التألـّه.
الأمر عميق جِدّاً، وهو بكل جوانبه خبرة مُعاشَة شخصيّة، معاشة من الإنسان مع الله وبالله، أي أن يعيش الإنسان مع الله. لهذا، العالم لا يراه ولا يعرفه وليس له قدرة على هذا.
كلّ هذا يحدث لأن “العالم لا يعرفه”. الله يُعرف عبر خِبرة عيشك لمحبّته الشخصيّة كمحبّتك أنت الشخصية، كحياة حياتك، كنفس نفسك، كقلب قلبك، كنيّة نيّتك.
بكلام آخر: تستطيع أن تعرف المسيح عندما تثبت فيه ومتى تحقق ذلك تصير مثله. أولاً، الإنسان من طريق الأسرار الإلهيّة والفضائل المقدّسة يُحضِر نفسَه إلى المسيح ويثبّتها فيه، تاليًا، يحيا فيه بدون توقّف ويصير مسيحًا مثله (ولكن بالنعمة). لهذا، بعدل يقول اللاهوتيّ “من اجل هذا لا يعرفنا العالم لأنه لا يعرفه”، امّا نحن فأبناء الله منه.
القديس الأب يوستين بوبوفيتش