لماذا صلاة منسّى؟
“صلاة منسّى” سِفرٌ من الكتاب المقدّس في نسخته السبعينيّة، تقرأها الكنيسة في ليتورجيّتها في عشيَات الصوم الأربعيني المقدّس ضمن صلاة النوم الكبرى.
منسّى هو الملك الذي تبوّأ حُكم مملكة يهوذا ما بين عامي 698 و642 ق.م. يُذكر في 2ملوك 21: 1-18 و2أخبار 33: 1-19. اعتبره اليَهود أشرّ ملوك يهوذا لأن اسمه ارتبط بأفظع خطيئة في تاريخ شعب الله. فهو لم يكتفِ بأن ارتدّ عن عبادة الله إلى عبادة الأوثان، بل نزع من الشعب الأحكام والفرائض التي أعطاهم إياها موسى، وأرغمهم على أن يتحوّلوا عن عبادة الله إلى عبادة الأوثان التي تنهى عنها الشريعة. ونتيجةً لخطيئته، طُرد مع شعبه من ارض الميعاد، وسِيقُوا مقيّدين بقيود الحديد ومذلولين من قبل الأشوريين الذين كانوا يعاملون أسراهم كالحيوانات.
ولكن أمرًا حصل في حياته حوّله من كافرٍ بديانة الآباء إلى مُصلحٍ ومثبّتٍ لها. فلمّا تضايق منسّى في السبي، تواضَع ورفع صلاةً (تُذكر مرّتين: 2أخ33: 18 و19) بعد أن تاب إلى إله آبائه. ظهر منسّى المسبيّ وهو يصلّي في المنفى مثل رئيس كهنة يبتهل من أجل نفسه ومن اجل الشعب. وصارت صلاته بمثابة صلاة موسى لـمّا ابتهل إلى الله لئلا يُفني شعبه بعدما صنعوا العجل الذهبي في البريّة وعبدوه (خر 32: 31-35). فاستجابه الله وأعاده من السبي مع شعبه، فأكمل منسّى حُكم مُلكه الذي طال حتى بلغ 55 سنة، وهي المدة الأطول التي حكمَها ملكٌ في مملكة الجنوب. أما لماذا استُجيبت صلاته، فلأن الله سبق أن قال: “اذا تواضَع شعبي الذي دُعي اسمي عليهم وصلّوا وطلبوا وجهي ورجعوا عن طرقهم الرديئة، فإني أسمع من السماء وأغفر خطيئتهم وأبرئ أرضهم” (2أخبار 7: 4).
اقترن اسم منسّى في التقليد، ليس فقط بأكثر أعمال العبادة الوثنية فداحةً وارتكابًا، بل أيضًا بأكثر حدث غفرانٍ إلهيّ شهرةً تجاه خاطئ تائب. فكل تاريخ شعب الله يُذكّرهم بخطيئة خيانتهم لله والزنى وراء آلهة أخرى من صُنْع أيدي البشر. وبالتالي، فإن تلاوة “صلاة منسّى” تُذكّرهم بعقاب هذه الخطيئة وبالملِك الذي اعتبروه أشرّ ملوك يهوذا، منسّى بن حزقيّا. ولكنّها تُذكّرهم أيضًا بالسبيل إلى إخراجهم من هذه الخطيئة، ألا وهو التوبة والاتّضاع والصلاة.
جدير بالذكر أن كتاب الملوك يذكر اسم “حَفصِيبَه” أم منسّى بن حزقيا (2ملوك 21: 1). والعادة إجمالاً هي ان يُنسب الابن إلى أبيه وليس إلى أمّه. فلماذا ذُكر اسم امّه؟ يَردُ اسم “حَفصِيبَه”، ومعناه “مسّرتي بها”، مرتين فقط في العهد القديم، في خبر منسّى، وفي إشعيا 62: 1-5 حيث الحديث عن أورشليم الأخرويّة.
فإذا دعتنا الكنيسة إلى قراءة “صلاة منسّى” في عشيّات الصوم الموصل إلى الفصح، فهذا لأنها فهمت مفعول هذه الصلاة على نفوس أبنائها الذين تسبيهم الخطيئة من حضن أمّهم السماويّ، ولأنها فهمت أن الذي رفع هذه الصلاة هو “منسّى” الذي أبوه “حزقيا” وأُمّه “حفصيبه”. فهمت الكنيسة أن منسّى يصير ابن “الرب يقوّي” وابن “مسّرتي بها” أي أورشليم السماوية الأخيرة، وهو “الذي يُنسّي” شعبَ الله زمن ضعفهم وخيانتهم وبُعدهم عن الرب.
+الأب ملحم حوراني
نشرت في رعيتي الأحد 30 آذار 2014 العدد 13