جسد يسوع ام جثة يسوع
(Body or Corpse)
ما الفارق في استخدام كلمة جسد يسوع او في استخدام كلمة جثة يسوع؛ والمعاني اللاهوتية خلفهما؛ وانعكاس ذلك في الليتورجيا الإلهية على القرابين المقدسة التي تصبح بحلول نعمة الروح القدس الجسد المكسور والدم المهراق عنا وعن كثيرين من اجل مغفرة الخطايا.
لقد ورد في انجيل مرقس البشير في الآية 45 من الفصل 15 ان بيلاطس سمح ليوسف الرامي “بجثة” يسوع. ووردت عبارة جثة في هذه الآية تحديدا في مخطوطات يونانية وترجمات الى لغات عديدة، واستبدلت عبارة “جثة / πτῶμα / corpse” بعبارة “جسد / σῶμα / body” في عدة مخطوطات يونانية وترجمات الى لغات عديدة واعتقد انه بسبب الوقار الواجب للجسد الإلهي.
سأكتفي بعرض ثلاث ترجمات في ثلاث لغات اوردت عبارة “جثة” لا “جسد”.
43 فجاءَ يوسفُ الرّاميُّ، وكانَ مِنْ أعضاءِ مَجلسِ اليهودِ البارِزينَ، ومِنَ الّذينَ يَنتَظِرونَ مَلكوتَ اللهِ، فتَجاسرَ ودخَلَ على بـيلاطُسَ وطلَبَ جسَدَ يَسوعَ.44 فتعَجّبَ بـيلاطُسُ أنْ يكونَ ماتَ. فدَعا قائِدَ الحرَسِ وسألَهُ: “أمِنْ زمانٍ ماتَ؟” 45 فلمَّا سمِعَ الخبَرَ مِنَ القائِدِ، سمَحَ ليوسفَ بِجُثَّةِ يَسوعَ. (الترجمة العربية المشتركة)
43 ἐλθὼν Ἰωσὴφ ἀπὸ Ἀριμαθαίας εὐσχήμων βουλευτής, ὃς καὶ αὐτὸς ἦν προσδεχόμενος τὴν βασιλείαν τοῦ θεοῦ, τολμήσας εἰσῆλθεν πρὸς τὸν Πιλᾶτον καὶ ᾐτήσατο τὸ σῶμα τοῦ Ἰησοῦ. 44 ὁ δὲ Πιλᾶτος ἐθαύμασεν εἰ ἤδη τέθνηκεν καὶ προσκαλεσάμενος τὸν κεντυρίωνα ἐπηρώτησεν αὐτὸν εἰ ἤδη ἀπέθανεν· 45 καὶ γνοὺς ἀπὸ τοῦ κεντυρίωνος ἐδωρήσατο τὸ πτῶμα τῷ Ἰωσήφ. (Wescott-Hort Greek NT)
43 there came Joseph of Arimathaea, a councillor of honorable estate, who also himself was looking for the kingdom of God; and he boldly went in unto Pilate, and asked for the body of Jesus. 44 And Pilate marvelled if he were already dead: and calling unto him the centurion, he asked him whether he had been any while dead. 45 And when he learned it of the centurion, he granted the corpse to Joseph. (ASV)
تلاحظون انه في الآية 43 وفي نفس هذة المخطوطات والترجمات وردت عبارة “جسد / σῶμα / body” لا “جثة / πτῶμα / corpse” ، فهل من تفسير لاهوتي وراء ذلك؟ طبعا يوجد تفسير وهو هام جدا.
لقد اورد الكتاب المقدس ثلاث مفردات ترجمت الى العربية بجسد: σαρξ و σῶμα و πτῶμα
Σαρξ تشمل الجسد بمشاعره وعواطفه واهوائه
σῶμα هي اللحم والدم او الجسم
πτῶμα وهو الجثة
فالمسيح لم يعطنا الا جسده ال σῶμα المكسور على الصليب لنأكله فهو لم يعطنا جثته التي وضعت في القبر بل الجسد المعلق على الصليب المكسور على الصليب لمغفرة الخطايا.
ذاك الذي في لحظة كسره انشق حجاب الهيكل واصبح لنا دخول معبد دون حاجب الى قدس الاقداس اي الى ملئ الحضرة الإلهية. ذلك الجسد الذي ايضا في لحظة كسره خرجت الألوهة التي احتجبت فيه منذ تكوينه في احشاء مريم البتول ونزلت الى الجحيم ففجرته ومنحت الحياة للذين في القبور.
ففي كل مرة نتناول الجسد نلج الى تلك اللحظة نفسها التي توصلنا الى قدس الأقداس وتخرجنا من الموت المطبق علينا بجحيمه ونحن غافلون. (دع الموتى يدفنون موتاهم)
فالصليب ليس مثل المسلخ الذي تذبح فيه الخراف ثم توزع لحومها للأكل. فالمسيح لم يعطنا جسده الذي ذبح وانزل عن الصليب كجثة لنأكله بل جسده الذي يكسر بالحاضر المستمر الذي بكسره يعطينا حياة ومغفرة. فالمهم ليس اللحم بل لحظة الكسر التي تفتدينا وتدخلنا الى العالم السماوي.
فقد ضل من ناقشوا التحول وطريقة تحول الخبز الى لحم.
فالموضوع ليس موضوع لحم ودم بل طاعة حتى الموت جسد مكسور فقط فوق الصليب ودم مسفوك فقط فوق الصليب. ومتى انزل المصلوب اصبح جثة كلية الوقار ولكنها ليست للأكل بل بانتظار التمجيد بالقيامة التي ستعلن صبيحة الأحد للنسوة الحاملات الطيب.
ولذلك وردت كلمة جسد عندما كان بعد يسوع معلقا على الصليب، جسده مأكل ودمه مشرب من فوق الصليب. واصبحت الكلمة جثة بعد انزاله عن الصليب.
فمبارك الذي افتدانا بموته فوق الصليب واقامنا بقيامته المجيدة.
ولكن هل جثة يسوع هي حقا جثة كباقي الجثث. لنرى ذلك من النصوص الليتورجية ومن كتابات الآباء القديسين لأن عقائد كنيستنا مبنية على الكتاب وعلى الليتورجيا التي تسلمناها بالتقليد وعلى تعاليم الآباء القديسين والثلاثة يشكلون وحدة لا تتجزأ.
اولا الكتاب واضح وضوح الشمس : اع 2:27 لانك لن تترك نفسي في الهاوية ولا تدع قدوسك يرى فسادا.
ثانيا في الليتورجيا لم تتبنى كلمة جثة ولا مرة بل فقط كلمة جسد: “لقد كنت في القبر بالجسد وفي الجحيم بالروح وفي الفردوس مع اللص وعلى العرش مع الآب والروح ايها المسيح المالئ الكل…”
وفي ترتيلة انزال المصلوب يصرخ يوسف ونيقوديموس “كيف الامس جسدك الطاهر”
فهذا تأكيد ان الألوهة التي نزلت الى الجحيم مرافقة نفس المسيح البشرية لم تفارق جثته لذلك بقيت جثة حية باللاهوت الذي لم يفارقها كيلا ترى فسادا ولذلك لم تتبنى الليتورجيا كلمة جثة بل فقط كلمة جسد، ولذلك نحن نرسم الجسد الإلهي المنزل عن الصليب ونوقره لأننا نؤمن ان الألوهة لم تفارقه البتة.
ولكن هذا لا يقلل مما قلته سابقا انه جسد غير مخصص للأكل كما اعطانا اياه يسوع لنأكله. فالذبيحة الإلهية مؤسسة على الخميس العظيم المقدس على جسد يسوع الحي. ولا تقام ذبيحة الهية يوم الجمعة العظيمة (ولكنه كان يقام قداس سابق تقديسة بحسب تيبيكون القسطنطينية للقرن العاشر).
ثالثا في كتابات الآباء واخص منهم القديس افرام السرياني الذي يقول ان اعظم شيء عمله يسوع انه اعطانا جسده لنأكله وهو بعد حي بروحه البشرية وبكامل الوهيته. ويضيف ان المسيح ركب على الصليب ليشدد على انه صلب بإرادته. ولذلك نرسمه مرتاحا على الصليب وكأن الصليب عرشا له يبذل من فوقه جسده ذبيحة عنا. ولذلك لا نكتبه في الايقونة في كنيستنا الارثوذكسية مدندلاً هابطا معلقاً.
فالجسد الذي نتناوله هو جسد حي بروحه والوهيته من فوق الصليب. فعندما يقسم الكاهن الحمل لمناولة المؤمنين يقول “يجزّأ ويقسّم حمل الله، الذي يجزّأ ولا ينقسم، ويؤكل منه دائماً ولا ينفد، بل يقدّس المشتركين به” فهذا يعني اننا لا نأخذ جزأ مقسوماً (اي قطعة لحم من لحم يسوع) ولكن كل قطعة خبز تحتوي كامل جسد يسوع. اما النبيذ الدم فيشير الى ملئ حياته (لأن الحياة في الدم بحسب مفهوم العهد القديم).
وعندما نتاوله لا نحوله الى مادة للهضم هو من يهضمنا فنتحد به ونثبت فيه ونصبح اعضاء جسده السري –هيكل للروح القدس– وعندما نتناول الدم الطاهر نتناول حياته فيصبح هو حي فينا ويحيينا. فآخر اعلان يقوله الكاهن في ختام القداس الإلهي: “لأنك انت تقديسنا”. فهو الفاعل ونحن المتقبلون التقديس بالمشاركة.
فالمجد للذي يثبتنا فيه بتناولنا جسده الحي ويعطينا حياته من خلال شربنا دمه المسفوك من اجل حياة العالم ويؤلهنا بقيامته المجيدة.
+الأب منصور عازار