خميس الصعـود
لماذا نعيد للصعود الإلهي وما معنى هذا العيد على الصعيد اللاهوتي وعلى الصعيد الشخصي للمؤمنين؟
انطلاقتي التأملية هذه هي محصورة بالنصوص الليتورجية الخاصة بهذا العيد الشريف لأني اؤمن انها كتبت هي ايضا بما اوحى به الروح القدس لكنيسته من فهم للكتب، نتيجة البركة التي منحها الرب للتلاميذ لحظة ارتقائه الشريف الى السماوات لكي لا ينقص الكنيسة فهم لما في تلك الكتب.
المعنى اللاهوتي للعيد نجده عادة في قنداق العيد. اما قنداق الصعود فمختصر جدا: لما اتممت التدبير الذي من اجلنا، وجعلت الذين على الأرض متحدين بالسماويين، صعدت بمجد ايها المسيح الهنا غير منفصل من مكان بل ثابتاُ بغير افتراق وهاتفاً: انا معكم وليس احد عليكم.
قطعة ذوكصا ايصودون صلاة المساء فيها شرح واف للقنداق ولمعنى العيد وهي تضيء بمضمونها على معاني كل القراءآت التي ستليها في المساء وعلى التراتيل وعلى كاطافاسيات السحر كما تضيء ايضا على الرسالة وعلى الانجيل اللذين سيُتليان في قداس العيد:
يا يسوع الحلو، انت من الأحضان الأبوية لم تنفصل (اي انت لست بحاجة لتصعد الى الاحضان الابوية من جديد لانك لم تغادرها اصلاً. ألا يذكرنا هذا ان التجسد لم يكن انتقالاً مكانيا للكلمة انما تنازل الهي دون تغير ولا تبديل في الألوهة ذاتها؟)، ولو تصرفت على الارض مثل انسان. اليوم ارتقيت بمجد الى جبل الزيتون، وبإشفاق منك أصعدت طبيعتنا الهابطة وأجلستها مع الآب (افسس 2: 1-6 وانتم اذ كنتم امواتا بالذنوب والخطايا التي سلكتم فيها قبلا حسب دهر هذا العالم حسب رئيس سلطان الهواء الروح الذي يعمل الآن في ابناء المعصية الذين نحن ايضا جميعا تصرفنا قبلا بينهم في شهوات جسدنا عاملين مشيئات الجسد والافكار وكنا بالطبيعة ابناء الغضب كالباقين ايضا الله الذي هو غني في الرحمة من اجل محبته الكثيرة التي احبنا بها ونحن اموات بالخطايا احيانا مع المسيح.بالنعمة انتم مخلّصون. واقامنا معه واجلسنا معه في السماويات في المسيح يسوع)، فمراتب السماويين العادمي الاجساد اعتراهم الذهول وارتاعوا من العجب وعظموا محبتك للبشر (لأن طبيعة الملائكة لم تنل حظوة الجلوس في العرش السماوي كما نالتها الطبيعة البشرية التي اتخذها المسيح يسوع من مريم العذراء واجلسها بصعوده المجيد في العرش السماوي، فالله لم يتخذ طبيعة الملائكة بل الطبيعة البشرية فقط)، فمعهم نحن الأرضيين ايضا نمجد تنازلك الينا وارتقاءك من عندنا متوسلين وقائلين: يا من اوعب تلاميذه ووالدته فرحا جزيلا بصعوده (لوقا 24: 51-52 وفيما هو يباركهم انفرد عنهم وأصعد الى السماء. فسجدوا له ورجعوا الى اورشليم بفرح عظيم.)، اهّلنا بتوسلاتهم، لفرح مختاريك (رؤ 3 :21 من يغلب فسأعطيه ان يجلس معي في عرشي كما غلبت انا ايضا وجلست مع ابي في عرشه) لأجل رحمتك العظمى.
الرسالة (اعمال الرسل 1: 1- 12) تخبرنا عن حادثة الصعود وتربطها بالقيامة المجيدة وبالقوة التي سينالها التلاميذ بحلول الروح القدس عليهم و ايضا بالمجيء الذي سيحدث بطريقة مماثلة لطريقة الصعود.
اما الانجيل (لوقا 24: 36-53) فيربطها بقيامة السيد وبفتحه اذهان التلاميذ ليفهموا الكتب وبموعد الآب اي ان يلبس التلاميذ قوة من العلاء.
اما القراءآت الثلاث التي تتلى في غروب العيد:
فالاولى( اشعياء: 2: 2-3) تحدثنا عن الوقت الذي فيه تنطلق جميع الامم صاعدين الى جبل الرب حيث الرب سيعلمهم طريقه ليسلكوا في سبله.
ويقابلها في حزقيال 36 :27 واجعل روحي في داخلكم واجعلكم تسلكون في فرائضي وتحفظون احكامي وتعملون بها.
ويقابلها في يوئيل 2: 27-29 وتعلمون اني انا في وسط اسرائيل واني انا الرب الهكم وليس غيري ولا يخزى شعبي الى الابد. ويكون بعد ذلك اني اسكب روحي على كل بشر فيتنبأ بنوكم وبناتكم ويحلم شيوخكم احلاما ويرى شبابكم رؤى. وعلى العبيد ايضا وعلى الإماء اسكب روحي في تلك الايام.
ويقابلها في ارمياء 31: 34 ولا يعلّمون بعد كل واحد صاحبه وكل واحد اخاه قائلين اعرفوا الرب لانهم كلهم سيعرفونني من صغيرهم الى كبيرهم يقول الرب.لاني اصفح عن اثمهم ولا اذكر خطيتهم بعد
اما قراءة المساء الثانية (اشعياء 62: 10 الى 63: 9) فتخبر عن قدوم الرب المخلص والذي عمله امامه وتطوّب الشعب مفتدى الرب. … من ذا الآتي من ادوم بثياب مضرجة من بصرة، هذا الذي يتباهى بلباسه ويختال بكثرة قوته، انا المتكلم بالعدل الكثير الخلاص. ما بال لباسك احمر وثيابك كدائس المعصرة؟ “اني دست المعصرة وحدي ومن الشعوب لم يكن معي احد”… وتخبرنا بما كافأ به الرب اخصاءه لكثرة رأفته اذ قال … انهم شعبي حقا بنون لا يغدررون، فصار لهم مخلصا في كل مضايقهم تضايق وملاك وجهه خلصهم بمحبته وشفقته افتداهم ورفعهم وحملهم كل الايام القديمة.
لفهم هذ المقطع الصعب علينا مراجعة التاريخ والجغرافيا قليلا واستعمال التفسير الرمزي مع شرح الكتاب بالكتاب:
اولا ترمز ادوم الى ارض اعداء شعب الله الذين ينتظرون لحظات ضعفه لينقضوا عليه ويغلبوه وترمز بصرة الى لون اللباس الأحمر.
اعداء الكنيسة التي هي شعب الله المفدي بدماء حمل الله الفادي، هم قوات الشر. وادوم ترمز الى الجحيم التي نزل المسيح اليها ليحرر منها خاصته. قولوسي 2: 13-15 واذ كنتم امواتا في الخطايا وغلف جسدكم احياكم معه مسامحا لكم بجميع الخطايا. اذ محا الصك الذي علينا في الفرائض الذي كان ضدا لنا وقد رفعه من الوسط مسمرا اياه بالصليب. اذ جرد الرياسات والسلاطين اشهرهم جهارا ظافرا بهم فيه.
المعصرة هي نفسها التي يذكرها سفر الرؤيا 14: 19-20 فالقى الملاك منجله الى الارض وقطف كرم الارض فالقاه الى معصرة غضب الله العظيمة. وديست المعصرة خارج المدينة فخرج دم من المعصرة حتى الى لجم الخيل مسافة الف وست مئة غلوة.
المسيح افتدانا من معصرة غضب الله ولكنه داس فيها ساحقا قوات الجحيم لوحده دون معاونة احد من البشر لأن البشر كلهم كانوا ساقطين ويعوزهم مجدُ الله وخلاصُه وفداءُه. وهذا يشير الى ان المعركة الذي قادها الرب ضد الرياسات والسلاطين قد حسمت نهائيا بانتصار اكيد وبخلاص اكيد لمختاريه اي للغالبين. حيث ان القيامة الاولى قد حصلت بالقوة او بالسلطان (by potential ) لجميع الذين يقبلون الخلاص وستحصل القيامة العامة ايضا في اليوم الاخير للجميع ولكن لن يصعد الى العرش السماوي الا الغالبون اي القديسون اي المختارون الذين اختاروا الطريق الضيق فاختارهم الله بالمقابل اخصاء له. ولكن من جهة اخرى المعارك الصغيرة ما تزال دائرة ضد الفلول كما في كل معركة وسيحسمها الرب في اليوم الاخير في معصرة غضبه مرة اخرى.
اما القراءة الثالثة فتخبر ان الرب يخرج ويحارب وتقف رجلاه في جبل الزيتون الذي قبالة اورشليم ، ويكون ان مياها تخرج من اورشليم نصفها الى البحر الشرقي ونصفها الى البحر الغربي وتعمر اورشليم بالامن.
الحرب قد سبق شرحها. اما المياه فتشير الى الروح القدس. تذكروا حديث الرب مع السامرية وصرخته في الهيكل في اليوم الاخير من عيد المظال. يوحنا 7: 37-39 وفي اليوم الاخير العظيم من العيد وقف يسوع ونادى قائلا ان عطش احد فليقبل اليّ ويشرب. من آمن بي كما قال الكتاب تجري من بطنه انهار ماء حيّ . قال هذا عن الروح الذي كان المؤمنون به مزمعين ان يقبلوه.لان الروح القدس لم يكن قد أعطي بعد.لان يسوع لم يكن قد مجّد بعد.
اما ان المياه تخرج الى الشرق والى الغرب اي انها ستكون من نصيب جميع الشعوب وليس حكرا على اليهود.
وللإختصار سأذهب معكم مباشرة الى الكاطافاسيات التي ترتل في السحر؛ فهي كاطافاسيات العنصرة:
الاولى: إن الألكن اللسان، (موسى كان الكن اللسان ولذلك اصطحب معه اخاه هرون ليتحدث بالإنابه عنه مع الفرعون) لما انحجب في الغمام الإلهي (عندما صعد موسى الى الجبل لينال الوصايا من الله ظلل الجبل غمام الهي)، كرز بالشريعة المدونة من الله (الله دون الشريعة باصبعه على حجرين)، لانه نفض الحمأة من حدقة العقل (تشير الى حالة استنارة النوس او الذهن الذي كان قد اظلم في سقوط آدم وحواء في الفردوس)، فعاين الموجود (اي الكائن اي يهوه الذي هو هو)، وحاز معرفة الروح (اصبح نبيا بالروح القدس)، ناشدا لله تسابيح الهية.
الرابعة: ايها الكلمة ملك الملوك، الذي اقبل وارداً وحده من الآب، الواحد الغير المعلول (اي الذي ليس له سبب آخر او علة لوجوده، اي كائن من ذاته)، فبما انك المحسن ارسلت الروح القدس، المساوي لك في القوة بالحقيقة، للرسل المسبحين المجد لجبرؤوتك يا رب.
الخامسة: يا اولاد البيعة النيري الشكل (بسبب حلول الروح القدس عليهم بشكل السنة نارية)، اقبلوا ندى الروح المتنسم نارا (حدث نسيم كهبوب رياح عاصفة وظهرت الالسنة النارية فوق الرؤوس)، الذي هو طهرٌ وحلٌ من الجرائم، لان الشريعة قد خرجت الآن من صهيون، بشكل السنة نارية، التي هي نعمة الروح القدس. (راجع شرح القراءة الاولى اعلاه)
السادسة: ايها المسيح السيد. قد اشرقت من البتول اغتفاراً وخلاصاً لنا، لكي تنتشل من الفساد آدم الساقط وكل ذريته، كما انتشلت يونان النبي من حشا الحوت البحري.
الصعود اذا هو اتمام لعمل المسيح اي لتدبيره الخلاصي بجعله الطبيعة البشرية متحدة مع الطبيعة السماوية وبذلك اُهّل الارضيون لامكانية الاتحاد بالسماويين بالتصاقهم بالمسيح الجالس على العرش السماوي لانهم صاروا جسده السري ولذلك يصيرون فيه جالسين في عرش الآب (ارجو مراجعة رسالة بولس الرسول الى اهل افسس من هذا المنظار). فهذا ما يقوله لنا القنداق باختصار شديد وهذا هو باختصار ايضا معنى عيد الصعود الإلهي. فأهلنا يا رب بتوسلات والدتك ورسلك وقديسيك الى فرح مختاريك آمين.
+الأب منصور عازار ، عيد الصعود